
75 مليون نسمة عام 2050... طفرة غير مسبوقة بسكان العراق وسط خطط ومعالجات مبكرة

مراصد
15/9/2025، 10:57:38 ص
حذر باحثون بأن العراق مقبل على طفرة غير مسبوقة بالسكان خلال السنوات المقبلة، منبهين الى ضرورة مغادرة سياسة الإعتماد على إيرادات بيع النفط لتمويل ما يصل إلى نحو 95% من النفقات.
وتُعزى هذه الزيادة إلى تصاعد معدلات المواليد، وشدد الخبراء على أن الاعتماد على الموارد النفطية، قد يؤدي إلى تفاقم الفقر والبطالة وصعوبة تقديم الخدمات مستقبلا. فيما تؤثر الزيادة السكانية على الاقتصاد المحلي بطرق إيجابية وسلبية، وفقاً لمختصين، إذ يمكن أن تكون "عبئاً الآن وفرصة غداً"، والفيصل هو سرعة التحوّل من إدارة الأزمة إلى إدارة الاستثمار في البشر. وتشير تقديرات مجلة "CEOWORLD 2021" الأمريكية للإحصاء، والمعهد الوطني الفرنسي للدراسات الديموغرافية، إلى أن عدد سكان العراق سيبلغ بحلول عام 2050 نحو 75 مليون نسمة.
▪︎ وثيقة السياسة السكانية
وكان رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، قد اطلق الوثيقة الوطنية للسياسة السكانية في العراق، في كانون الثاني يناير العام الماضي.
وأكد السوداني أن الوثيقة تمثل التوجهات العامة للدولة والمبادئ التي أطَّرت محاورها الرئيسة، مبينا أن التعامل مع الوثيقة الجديدة يجري على وفق منطلقات المنهاج الحكومي الذي رسم توجهات واضحة في ربط الظاهرة الديموغرافية بخطط التنمية المستدامة. واشار رئيس الوزراء الى أن برنامج الحكومة يؤكد على توفير بيئة تمكينيه تعزز أدوار الفئات السكانية المختلفة، في توزيعها العمري وما يتطلب من تأمين حياة صحية وتعليم نوعي، ومراعاة تكافؤ الفرص وتقليل الفجوة في النوع الاجتماعي، مع الالتزام ببرامج رعاية اجتماعية لفئة كبار العمر والفئات الهشة من السكان، مؤكداً أن الوثيقة الوطنية المحدثة أولت قضية تمكين الشباب اهتماماً كبيراً ضمن محاورها .

▪︎ تحقيق التوازن السياسي
من جانبه قال نائب رئيس مجلس الوزراء وزير التخطيط محمد علي تميم في كلمة له خلال حفل الإطلاق : إن إعداد الوثيقة الوطنية للسياسة السكانية التي أقرها المجلس الأعلى للسكان، جاء بهدف رسم سياسة لتحقيق التوازن السكاني عبر التوسع في سياسات دعم الشرائح السكانية في الفئات العمرية المختلفة بإطار ممنهجٍ تنمويِ مستدامِ. ودعا الجميع إلى تحمل مسؤوليتهم عبر صياغة الخطط والإستراتيجيات بالإعتماد على ما ورد في الوثيقة من توجهات ضمن أحد عشر محوراً تضمنتها الوثيقة، معربا عن أمله في ان تحقق الوثيقة رؤيتها في بناء مجتمع مستقر ومتوازن سكانيا بما يضمن استدامة العيش الكريم وتحقيق الرفاه للمجتمع. إلى ذلك اكد نائب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة السيد غلام محمد اسحاق في كلمة له، إلتزام الأمم المتحدة بتوافر الدعم للحكومة العراقية، لزيادة تحسين نظم التخطيط لقضايا السكان، مؤكداً ضرورة استثمار الهبة الديموغرافية في العراق "الشباب"، من خلال تحسين خدمات التعليم والصحة وّتوافر فرص العمل.
▪︎ محاور الوثيقة
وتتضمن الوثيقة الوطنية للسياسة السكانية في العراق أحد عشر محوراً أساسياً تغطي كافة جوانب الحياة السكانية، بما في ذلك التعليم، والصحة، والطفولة، وتمكين الشباب، وخدمات الطفولة، والفئات السكانية الهشة، والسكان والتغييرات المناخية، والهجرة الداخلية والخارجية، والسكن، والقيم والتماسك الاجتماعي، والمناصرة والتثقيف السكاني. وتشمل المحاور :
1. التعليم والتعلم: يهدف إلى تحسين جودة التعليم وتوفير فرص تعلم مناسبة لكافة الفئات.
2. الصحة والصحة الإنجابية: يركز على تحسين الخدمات الصحية، وخاصة الصحة الإنجابية، ووصول الأفراد إليها.
3. الطفولة وحقوقها وحمايتها: يعنى بضمان حقوق الأطفال وحمايتهم من كافة أشكال العنف والإهمال.
4. الشباب والتشغيل: يهدف إلى تمكين الشباب وتوفير فرص عمل لائقة لهم في إطار الهبة السكانية.
5. تمكين المرأة: يعنى بتمكين المرأة في كافة المجالات والمجتمع.
6. دعم الفئات السكانية الهشة: يشمل تقديم الدعم للفئات الأكثر ضعفًا في المجتمع مثل الأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن.
7. السكان والتغييرات المناخية: يهدف إلى معالجة آثار التغيرات المناخية على السكان والتكيف معها.
8. الهجرة الداخلية والخارجية: يركز على تنظيم الهجرة في الداخل وتيسير التواصل مع العراقيين في الخارج، وتعزيز اندماجهم.
9. السكن: يسعى إلى سد الفجوة في قطاع السكن وتوفير بيئة سكنية مناسبة.
10. القيم والتماسك الاجتماعي: يهدف إلى تعزيز القيم والمبادئ الاجتماعية لضمان استقرار المجتمع وتماسكه.
11. المناصرة والتثقيف السكاني: يركز على رفع الوعي بالقضايا السكانية بين مختلف فئات المجتمع.
▪︎ خطة التنمية 2024 و2028
ويشرح المتحدث باسم وزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي، في تصريح لوكالة الأنباء العراقية " واع "، أن "هذه المحاور تستهدف تحقيق التوازن بين الزيادة السكانية والمتطلبات الحياتية كالصحة والتعليم والسكن، وتمكين الشباب والمرأة، ودعم الفئات الهشة في المجتمع من كبار السن والمعاقين والأطفال الذين يحتاجون إلى الرعاية الخاصة، ومواجهة التغيرات المناخية وتقليل آثارها، وغير ذلك". ويلفت إلى أن "هذه السياسة السكانية تم الأخذ بها في الخطة الخمسية للسنوات 2024-2028 والتي تضمنت خططا وسياسات وأهدافا في كل هذه المحاور، فيما تطلع في تنفيذها الجهات ذات العلاقة بغية تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي يحتاجها العراق". وأضاف، أن "نتائج التعداد العام للسكان الذي جرى تنفيذه قبيل نهاية العام الماضي، تمت الاستفادة منه بالتأشير على الفجوات التنموية وبالتالي وضع الخطط والسياسات واستيعاب الزيادات السكانية وتحويلها من أعباء إلى محركات تنموية فاعلة".

▪︎ الهبة الديموغرافية
تشير البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة التخطيط العراقية إلى أن البلاد تسجّل معدل نمو سكاني سنوي يبلغ 2.5%، أي ما يعادل أكثر من مليون نسمة سنوياً، وهذا ما يعني، وفق تقديرات 2024، أن العراق يقترب من حاجز الـ 44 مليون نسمة، وسط توقعات ببلوغ عدد السكان نحو 50 مليوناً خلال أقل من 6 سنوات. والمثير للانتباه أن أكثر من 60% من السكان يقعون ضمن الفئة العمرية النشطة اقتصادياً، وهي ما تُعرف بـ"الهبة الديموغرافية". وهذه المرحلة التي يفترض أن تمثّل فرصة ذهبية للتنمية، تتحول في الواقع العراقي إلى عبء ثقيل، نظراً لعدم قدرة السوق على استيعاب هذه الطاقات، في ظل تراجع فرص العمل، وارتفاع نسب الفقر، وغياب العدالة في توزيع الثروات.
▪︎ ضغط الزيادة السكانية
ويؤكد الخبير الاقتصادي، مصطفى الفرج، أن "الزيادة السكانية تضغط على المدرسة والعيادة والشارع والسكن وسوق العمل، وقد رفعت البطالة الكلية إلى نحو 15% وبطالة الشباب إلى نحو 32%".
ويجد الفرج في تصريح صحافي، أن "ترك هذه الديناميات بلا سياسة سيحوّلها إلى عبء متفاقم، لكن توجيهها بسياسات ذكية سيحوّلها إلى "عائد ديموغرافي" يرفع النمو ويخلق وظائف مستدامة".
من جهتها ترى الباحثة الاقتصادية، حوراء الياسري، أن " القوى العاملة الشابة، يمكن ان تسهم في تعزيز النمو الاقتصادي، بما يمثله الشباب من مصدر للابتكار، خصوصاً في مجالات التكنولوجيا والطاقة المتجددة". ومن التأثيرات الإيجابية للزيادة السكانية، تضيف الياسري في تصريح صحافي، أنها "تعزز الطلب على السلع والخدمات، مما يحفز القطاعات غير النفطية مثل التجارة والسياحة، وتساهم في تحقيق نمو في الناتج المحلي الإجمالي".
وتؤدي الزيادة السكانية أيضاً إلى "تعزيز الاستهلاك، مما قد يجذب الاستثمارات في مجالات الزراعة والصناعة، خاصة مع التوقعات بنمو القطاع غير النفطي"، بحسب الياسري.

▪︎ تهديد بأزمة بيئية
وفي سياق متصل.. حذرت الخبيرة في شؤون البيئة والتنمية المستدامة، انتصار جيار عجيل، من "أن النمو السكاني غير المتوازن يشكّل ضغطاً مضاعفاً على الموارد الطبيعية والبيئة، مشيرةً إلى أن "الكثافة السكانية في المدن الكبرى تهدد بانهيار بيئي واجتماعي إذا لم يتم التحرك سريعاً لإعادة توزيع السكان وتنشيط المناطق الريفية". وتقول عجيل في تصريح صحافي، إن " تنظيم النسل لا يزال قضية معقدة في المجتمع العراقي، بفعل الموروث الاجتماعي الذي يربط الإنجاب بالفخر والمكانة العائلية، وهو ما يُفاقم التحديات الديموغرافية ويحول دون بناء استراتيجيات تنموية متوازنة".
وتقترح عجيل خطة لتوزيع الصناعات على أطراف المدن، واستصلاح الأراضي غير المستغلة، وتوسيع خارطة الإسكان عبر بناء مجمعات سكنية في مناطق متفرقة، لتخفيف العبء عن المناطق الحضرية والحد من استنزاف الموارد.
▪︎ العدالة في توزيع الموارد
ويحذر مراقبون من أن الانفجار السكاني لا يمثل تحدياً تنموياً فقط، بل يهدد أيضاً الاستقرار الاجتماعي والأمني، فارتفاع نسب البطالة في أوساط الشباب قد يفتح الباب أمام موجات من التوتر والانحراف، في وقت تفتقر فيه الدولة إلى برامج احتواء فعّالة. ويشير أستاذ دراسات السلام في جامعة دهوك، الدكتور زيرفان أمين، إلى أن "التعامل مع الإنسان كرقم في جدول إحصائي يعكس خللاً في الفهم السياسي والاجتماعي"، مؤكداً أن "العدالة في توزيع الموارد هي حجر الأساس في تحقيق السلم المجتمعي". ويضيف في تصريح صحافي: أن "التركيبة السكانية المتنوعة في العراق يجب أن تكون عامل إثراء حضاري، لا سبباً للتوتر، لكن ذلك يتطلب احترام الحقوق والكرامة، وتوزيعاً عادلاً للثروات والفرص، بما يضمن احتواء الجميع في مشروع وطني جامع". ويشدد أمين على أن السلام المجتمعي لا يُبنى عبر الجدران الأمنية ولا عبر الشعارات، بل عبر نظام اجتماعي اقتصادي عادل، يتيح للناس أن يعيشوا بكرامة، ويضمن حقهم في الحياة والصحة والتعليم والعمل.

▪︎ تحديات النمو السكاني
وبحسب ذات الخبراء فأن تحديات النمو المضطرد للسكان تتمثل في :
- الضغط على الموارد والخدمات: يضع النمو السكاني ضغطًا هائلاً على الموارد المائية والطاقة، بالإضافة إلى الخدمات الصحية والتعليمية والسكنية.
- تفاقم الفقر والبطالة: يؤدي النمو السكاني السريع إلى زيادة في نسب البطالة، خاصة بين الشباب، وزيادة الفقر بسبب عدم كفاية فرص العمل.
- تراجع مؤشرات التنمية البشرية: يقلل تراجع الخدمات من قدرة رأس المال البشري على الاستفادة من الفرص المستقبلية، ويعيق تطوير البلاد بشكل عام.
▪︎ حلول ومعالجات
ويقترح المختصون أن يبدأ العراق بتطبيق معالجات سريعة تتضمن الآتي :
- وضع خطط متكاملة: تحتاج الحكومة إلى وضع خطط متكاملة تركز على البنية التحتية والخدمات الأساسية وتوفير المياه.
- تنويع مصادر الدخل: يجب العمل على تنويع مصادر الدخل القومي بعيدًا عن النفط، وتفعيل قطاعات الزراعة والصناعة والإستثمار.
- دعم برامج التوعية: تسعى وزارة التخطيط إلى دعم منظمات المجتمع المدني والإعلام لزيادة الوعي بأهمية تنظيم الأسرة في الأسر العراقية.
- استخدام الموارد البشرية: يجب أن تتناسب الموارد البشرية المتزايدة مع الموارد الاقتصادية المتاحة، وتحويلها إلى عائد ديموغرافي يدعم النمو.







