
بلغت 450 مليار دولار... حجم الخارطة الإستثمارية تضع العراق على طريق التنمية المستدامة

مراصد
30/9/2025، 11:11:36 ص
في قلب العاصمة العراقية، مع تصاعد طموحاتها لجذب الاستثمارات العالمية، انعقد مؤتمر الطاقة الدولي 2025، حاملا وعودا بمليارات الدولارات وفرص اقتصادية غير مسبوقة، أعقبه مباشرة إنعقاد ملتقى العراق للاستثمار في بغداد، وتضمن عرض أكثر من 160 فرصة استثمارية.
لكن اللافت ماأعلنه رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني عن فرص استثمارية متاحة بحجم (450) مليار دولار موزعة على مختلف القطاعات، في ظل مايشهده العراق من تنمية وإعمار. مما دفع خبراء المال والإقتصاد الى الإفصاح عن أن هذه الاستثمارات ليست مجرد عقود مالية، بل هي اختبار لقدرة الدولة على حماية مصالحها، وإدارة نزاعات النفوذ الداخلي والخارجي، في ظل مايجري حول العراق والمنطقة والعالم من تسابق إقتصادي محموم. فيما أشارت تقارير "منتدى الخليج الدولي" الاخيرة إلى أن العراق نجح في جذب استثمارات أجنبية مباشرة تتجاوز 100 مليار دولار، وسط تحديات تتعلق بالحوكمة، والبنية التحتية، والأمن. التحليل الاستقصائي لا يتوقف عند الأرقام، فالدخول المكثف للشركات الصينية والروسية والغربية والشرق أوسطية يضع العراق في مواجهة معقدة بين التوازنات الدولية، بينما تعمل حكومة السوداني على تحويل هذه الاستثمارات إلى رافعة اقتصادية حقيقية لإنعاش خطط التنمية والنهوض بمختلف القطاعات الإساسية وتوفير فرص عمل، تحسين الكهرباء، ودعم الصناعات. لذلك يبدو أن العراق يسعى على نحو جدي لتحويل هذا التدفق الهائل للاستثمارات إلى تنمية مستدامة على الأرض، فحقول النفط القديمة في كركوك والبصرة شاهدة على سنوات الإهمال، لكنها باتت اليوم تمثل الفرصة الذهبية للشركات الكبرى مثل شركة النفط البريطانية "BP" و شركة توتال انريجي الفرنسية ، وشركات شيفرون وبيركر هيوز وجي أي الامريكية لنقل التكنولوجيا الحديثة وزيادة الإنتاجية. يقول أحد مهندسي شركة عراقية مشاركة في مشروع البصرة: "نحن نرى كيف تتحول العقود إلى واقع ملموس على الأرض. وكل خطوة نراها تمضي قدما نحو التنفيذ الفعلي بلا تباطئ".

▪︎ ملتقى العراق للإستثمار
الى ذلك أعلن رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني عن فرص استثمارية متاحة بحجم (450) مليار دولار في مختلف القطاعات، في ظل مايشهده العراق من تنمية وإعمار. وأكد السوداني في كلمة إلقاها على هامش إفتتاح ملتقى العراق للاستثمار في العاصمة بغداد، وتضمن عرض أكثر من 160 فرصة استثمارية. توجّه الحكومة نحو تعديل قانون الشركات المساهمة وقانون الشركات القابضة، واضافة مواد تدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، والصناديق الخاصة، إضافة الى زيادة وتيرة رقمنة الإجراءات الحكومية لتقليص البيروقراطية، واستكمال الإصلاحات المصرفية، ورفع التصنيف الائتماني للعراق، لتقليل نسبة الفوائد والتأمين على المشاريع التي تقام في العراق.
▪︎ فرص إستثمارية كبرى
وشدد رئيس مجلس الوزراء على أن "سياسات الحكومة المتوازنة في علاقاتها الخارجية، وتقديم مصلحة العراق، صنعت بيئة مثالية للعمل الاستثماري". مشيرا الى "التوجه نحو زيادة شراء الخدمات من القطاع الخاصِّ حسب ما بدأنا العمل به في مشروع ايدوبا لإنشاء المدارس". و"العمل على إصلاح النظام المصرفي، ليكون قطاعاً بمعايير دولية". مؤكدا أن "العراق سجل ارتفاعاً بمؤشرات الاندماج مع الاقتصاد العالمي، وتوسيع انظمة الدفع الإلكتروني وحوكمة القطاع المالي". وكشف السوداني عن أن "تأسيس (صندوق العراق للتنمية) جاء لتمكين القطاع الخاص المحلّي والعربي والاجنبي من استثمار غزارة الفرص بالسوق العراقية". منوها الى أن "جهود ترسيخ الأمن والاستقرار مهدت لصناعة بيئة مثالية وواعدة للاستثمار وبشكل يحمي ويطمئن الشركاء".

وتابع "سيعقد مؤتمر خاص بعرض الفرص الاستثمارية الخاصة بمشروع (طريق التنمية)، ستكون الأوسع في المنطقة". وشدد رئيس مجلس الوزراء على"تسهيل تسجيل الشركات لدخول السوق العراقية، وتعديل حزمة من القوانين للشراكة بين القطاع الخاص الأجنبي ونظيره الوطني". معلنا عن "تجاوز حجم الاستثمارات (100) مليار دولار، ما يؤكد صحة قراراتنا في تنوع البيئة الاستثمارية الوطنية". وإطلاق "مبادرة "ريادة" التي انخرط فيها اكثر من (500) الف شاب وشابة، وتدريب (92) الفاً، أنتجوا (12) الف مشروع جديد من القروض و(20) الف فرصة عمل. السوداني ألمح الى ان " الشراكة في الاستثمار تحققت مع شركات عالمية، لاسيما مشاريع الأسمدة والكبريت والفوسفات وصناعة الحديد والصناعات الإنشائية والغذائية. كما شهد العراق نجاحاً استثمارياً وصناعياً في مجال صناعة الأدوية، وهو إنجاز غير مسبوق في تاريخ الصناعة العراقية. فلدينا اليوم (54) مصنعاً عراقياً شرعت فعلياً في تصدير منتجاتها الى الاسواق الاقليمية والعالمية. وفي قطاع السكن أوضح الرئيس السوداني "أطلقت الحكومة أكبر مشاريع للسكن في المنطقة، وهذا القطاع يستقبل استثمارات مباشرة وضمنية، ويوفر مئات الآلاف من فرص العمل. ونحن إزاء أكثر من مليون وحدة سكنية في (7) مدن جرت إحالتها، و(3) مدن أخرى قيد الإحالة من مجموع (60) مدينة سكنية جديدة في عموم العراق. وكشف عن عزم حكومته " تأسيس مجلس دائم من المستثمرين العرب والأجانب، يوفر الاستشاراتِ والمعلومات التي تخدمُ تطويرَ الاستثمار في العراق، يرتبط برئاسة الوزراء".
▪︎ مؤتمر بغداد الدولي للطاقة 2025
شهدت بغداد في السادس والسابع من أيلول 2025 انعقاد مؤتمر الطاقة الدولي، بمشاركة واسعة من وزراء الطاقة والشركات العالمية الرائدة الامريكية والبريطانية والفرنسية والصينية وحتى من دول المنطقة مثل الكويت والامارات، إضافة إلى ممثلين عن أوبك. سلط المنتدى الضوء على الطموح العراقي لتعزيز دوره في نظام الطاقة العالمي، مع الانفتاح على استثمارات دولية وتبني تقنيات حديثة لتطوير قطاع النفط والغاز وتحقيق التحول نحو الطاقة النظيفة. خلال المنتدى، تم توقيع اتفاقيات تشغيل مشتركة لتطوير حقل "أرطاوي" النفطي واستعادة الغاز المحترق لتغذية محطات الكهرباء، إضافة إلى اتفاقيات بنية تحتية لبناء مرافق معالجة متقدمة بالشراكة مع شركات دولية. كما أعلنت BP عن استثمار 25 مليار دولار لتطوير أربعة حقول في كركوك، مع التركيز على الغاز المصاحب لتقليل الاحتراق وتحسين كفاءة الطاقة، بينما وقعت شركات أمريكية اتفاقيات لزيادة قدرة إنتاج الكهرباء بمقدار 27 غيغاوات لمواجهة الطلب المتزايد. رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أكد أن العراق يملك احتياطيات نفطية تقدر بـ150 مليار برميل، ويهدف لتقليص حرق الغاز بنسبة 70% وتحقيق الاكتفاء الذاتي من المحروقات بحلول عام 2030. وتمحورت الجلسات حول مستقبل الصناعة النفطية، استثمار الغاز الطبيعي، ديناميكيات الأسواق العالمية، والتكنولوجيا والرقمنة في قطاع الطاقة. يُعد المنتدى إشارة واضحة لدخول العراق مرحلة جديدة تجمع بين الاستثمار الأمثل في الطاقة والانخراط الجاد في تحول الطاقة العالمي، مع تعزيز التعاون الدولي ونقل التكنولوجيا، ما يرسخ موقعه كمركز استراتيجي لإنتاج النفط والغاز وربطه بالأسواق الإقليمية والعالمية، في وقت تتزايد فيه أهمية الغاز والطاقة المتجددة في أمن الطاقة المستدام. قاد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني حملة دبلوماسية واقتصادية نشطة لتعزيز ثقة المستثمرين الدوليين بالاقتصاد العراقي، مؤكدا دوره كقوة دافعة وراء جذب الاستثمارات النوعية. خلال احتفالية "يوم الشراكات" التي نظمتها مؤسسة التمويل الدولية (IFC) في ايلول 2025، رعا توقيع عقود استثمارية بقيمة 1.3 مليار دولار في قطاعات الطاقة والبنية التحتية والصناعة. أبرز جهوده شملت الرعاية المباشرة للشراكات الكبرى، مثل توقيع عقود تطوير الغاز المصاحب وميناء أم قصر بقيمة 500 مليون دولار مع شركة غاز البصرة، ومشاريع الإسمنت والطاقة بقيمة 250 مليون دولار مع مجموعة المهيدب السعودية. كما قاد إصلاحات إدارية وقانونية لتبسيط الإجراءات وجذب شركات عالمية من ألمانيا وفرنسا والصين وبريطانيا، وأسهم في جذب استثمارات عربية وأجنبية بلغت 100 مليار دولار خلال عامين ونصف. داخل العراق، أشرف على ملتقى العراق للاستثمار 2025 الذي عرض أكثر من 150 فرصة استثمارية وتم توقيع اتفاقيات تطوير مشاريع الطاقة والبنية التحتية، مؤكداً الربط بين السياسات الوطنية والتعاون الدولي، بما يعزز النمو الاقتصادي ويحول العراق إلى بيئة استثمارية مستقرة وجاذبة حتى أيلول 2025.

▪︎ الشراكات الدولية والاستثمارات الكبرى
على مدار العامين الماضيين، شهد العراق تدفقا غير مسبوق للاستثمارات الأجنبية في قطاع الطاقة، وهو ما كشفه تقرير لمنتدى الخليج الدولي، الذي أشار إلى أن حجم الاستثمارات المباشرة بلغ نحو 100 مليار دولار، شملت عقودًا استراتيجية لتطوير الحقول النفطية القديمة واستغلال الغاز الطبيعي وتحويله لتوليد الكهرباء. قال مصدر رسمي في وزارة النفط العراقية: "ما نراه اليوم ليس مجرد ضخ استثمارات، بل سباق عالمي بين الشركات الغربية والصينية لتأمين مواقعها في السوق العراقية، وكل شركة تتبع استراتيجيات مختلفة للتكيف مع التحديات المحلية."
فقد شهدت السنوات الأخيرة دخول شركات الطاقة الكبرى الغربية إلى السوق العراقية كعامل أساسي في إعادة رسم الخارطة الاقتصادية والسياسية للبلاد. قال محلل استراتيجي: "هذه الاستثمارات ليست مجرد صفقات نفطية، بل أدوات نفوذ سياسي ودبلوماسي دولي."
أولًا: الشركات الأمريكية: تمثل "شيفرون" الاستثمار الأمريكي الأبرز في حقول الغاز والمشاريع التكريرية، حيث تضخ الشركة مليارات الدولارات لتطوير الحقول القديمة وتحسين كفاءة الإنتاج، ويعد وجودها وشركتي وبكر هيوز وGE تعزيزا للنفوذ الأمريكي في العراق، ويوفر آلية للتأثير على السياسات النفطية والاقتصادية، كما يربط العراق بالابتكارات التكنولوجية الأمريكية في الطاقة. هذا يعزز الحاجة إلى تحسين الحوكمة والشفافية عراقيا لمواءمة مصالح المستثمرين الأمريكيين مع الأهداف الوطنية، ويتيح فرصًا لتطوير التعليم الفني والتدريب المهني المرتبط بالطاقة.
ثانيا: الشركات البريطانية: استثمرت شركة النفط البريطانية "BP" في تطوير حقول كركوك والبصرة، مع خطط لرفع الإنتاجية إلى مستويات قياسية، ويمكن اعتبار عملاق الصناعة النفطية BP تعزيزا للروابط الاقتصادية والسياسية بين العراق والمملكة المتحدة، ويساهم في موازنة النفوذ الأوروبي في الشرق الأوسط، ويتيح للعراق شراكات في مجالات الطاقة النظيفة وتقليل الانبعاثات كما يعزز التعاون البحثي مع الجامعات البريطانية، ما يتيح نقل الخبرة التقنية وتوطين بعض الابتكارات في العراق.
ثالثا: الشركات الفرنسية: تركز على مشاريع الغاز وتحويل الغاز المحترق إلى كهرباء، مع استثمارات ضخمة في البنية التحتية، ويعكس الأثر الاستراتيجي لمشاركة توتال حرص فرنسا على تعزيز مكانتها في أسواق الطاقة العالمية، وتفتح للعراق قنوات دبلوماسية جديدة، خصوصًا في مجالات الطاقة المستدامة والمشاريع الخضراء.
رابعا: الشركات الصينية: لا تزال الشركات الكبرى المملوكة للدولة مثل CNPC وSinopec، تتحكم بأكثر من نصف الإنتاج النفطي للعراق، وتركز على المشاريع طويلة الأمد مع دعم سياسي ومالي كامل من بكين، كما ان الشركات الصينية المستقلة، مثل Geo-Jade Petroleum وZhenhua Oil، سجلت نموا سريعا، إذ تستثمر Geo-Jade نحو 848 مليون دولار في جنوب البصرة لتطوير حقل الطوبة وبناء مصفاة بطاقة 200 ألف برميل يوميًا، مع مشاريع بتروكيماويات ومحطات توليد طاقة.

▪︎ انعكاسات مزدوجة على الاقتصاد العراقي
قال مسؤول عراقي في وزارة النفط: "هذه الشركات لا تجلب المال فقط، بل تنقل معها خبرات وتقنيات متقدمة لتحسين كفاءة الطاقة وتقليل الهدر البيئي. فقد تم استثمار 25 مليار من قبل شركة النفط البريطانية "BP" في كركوك، فيما استثمرت شركة توتال الفرنسية 27 مليار دولار لتطوير الغاز واستغلال الغاز المحترق في توليد الكهرباء في البصرة. وهنالك استثمارات للشركات الامريكية في مشاريع لتحويل الغاز إلى كهرباء، تدعم الصناعات التحويلية المحلية. تأثير هذه المشاريع على الصناعات التحويلية واضح في تحسين إنتاج البتروكيمياويات، الأسمنت، الصلب، وتوفير الطاقة بأسعار مستقرة، ما يعزز القدرة التنافسية ويخلق آلاف فرص العمل المستدامة، وكل هذه الأموال والاستثمارات الضخمة تؤدي إلى زيادة الإيرادات الحكومية وتحفيز القطاع الصناعي، لكنها تضع الحكومة أمام تحدٍ في إدارة التوازن بين النفوذ الأجنبي والمصالح الوطنية."
▪︎ الابعاد المستقبلية حتى 2030
تشير توقعات OPEC إلى أن استمرار هذه الاستثمارات قد يسمح للعراق بزيادة إنتاج النفط إلى أكثر من 6 ملايين برميل يوميًا، وتوليد 20% من الكهرباء من الطاقة الشمسية، ما يدعم التنويع الاقتصادي وتقليل الاعتماد الكلي على النفط. وخلص تقرير داخلي لوزارة النفط: "العراق اليوم أمام فرصة تاريخية لتحويل قطاع الطاقة من مجرد مصدر للإيرادات إلى رافعة للنمو الصناعي والتوظيف والتكنولوجيا، شرط إدارة المخاطر السياسية والأمنية بذكاء، وضمان تحقيق المنافع الوطنية على المدى الطويل." يتيح التنوع في الشركاء الغربيين موازنة النفوذ الصيني والروسي، مع تقوية الشبكات الدبلوماسية الاقتصادية للعراق في أوروبا وأمريكا.
داخليًا، يدفع هذا التنوع الحكومة إلى وضع سياسات أكثر مرونة لتوزيع العوائد الوطنية بفعالية، وضمان أن يحقق الاستثمار الأجنبي قيمة مضافة حقيقية للاقتصاد العراقي، في منطقة تشهد تقلبات سياسية وأمنية، تساهم هذه الاستثمارات في تعزيز مكانة العراق كلاعب إقليمي قادر على استقطاب الاستثمار، وإقامة تحالفات اقتصادية متعددة الأطراف، مما يمنحه قدرة أكبر على المناورة في عالم متغير.








