
الإنتخابات برؤية أمريكية... توقعات بتصدر الإعتدال المنتج للسوداني المشهد القادم

مراصد
4/10/2025، 12:11:53 م
بدا محمد شياع السوداني، منذ تسنمه رئاسة الحكومة أواخر 2022، وكأنه يحاول إعادة تعريف موقع رئيس الوزراء في العراق، ولم يظهر كزعيم مذهبي، بل كـ"رجل دولة" يحاول الموازنة بين الداخل والخارج، بين متطلبات الشارع واشتراطات القوى السياسية، وبين مصالح العراق وحسابات الإقليم.
ومع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية، تحول النقاش حول هذه المشاريع في المجال العام إلى سجال حول حظوظ رئيس الحكومة الذي يرى مقربون منه "الأقرب لتولي المنصب" مرة ثانية، إلا أن خصومه في تحالف "الإطار التنسيقي" يقللون من تأثير المشاريع الخدمية على تولي المنصب.
▪︎ ائتلاف الإعمار والتنمية
في أيار مايو الماضي، مع التهيئة لخوض الانتخابات، أعلن السوداني عن تشكيل "ائتلاف الإعمار والتنمية"، وهو تحالف ضم سبعة كيانات سياسية بينها حزب السوداني "تيار الفراتين" و"تحالف العقد الوطني" و"ائتلاف الوطنية" و"تحالف إبداع كربلاء" و"تجمّع بلاد سومر" و"تجمّع أجيال" و"تحالف حلول الوطني". وقال السوداني في بيان إعلان الائتلاف: "التزاماً بالوعد الذي قطعناه لأبناء شعبنا الكريم، بالعمل والخدمة والحفاظ على كيان مؤسسات الدولة وسيادتها، وتوفير أسباب التنمية المستدامة، واستكمالاً لنهج الإعمار والإصلاح الذي شرعت به الحكومة عبر برنامجها وبأولوياته الخمس، ومن خلال مشاريعها ومُستهدفاتها، تتشرف مجموعة من القوى والتيارات الوطنية العراقية، أن تعلن لعموم أبناء شعبنا العراقي، عن تشكيل "ائتلاف الإعمار والتنمية"، لخوض الانتخابات التشريعية، المقرر إجراؤها في تشرين الثاني المقبل".

▪︎ تجمع انتخابي غير تقليدي
هذا التحالف لم يكن مجرد تجمع انتخابي تقليدي، فقد ضمّ شخصيات من خارج "الإطار التنسيقي"، ما اعتُبر مؤشراً على رغبة السوداني في الخروج من عباءة الإطار، وبناء تحالف عابر للطوائف. النائب مختار الموسوي وصف الخطوة بأنها "خروج واضح عن الإطار التنسيقي، يهدف إلى ضمان ولاية ثانية للسوداني"، وبالتوازي، أعلن 53 نائباً من كتل مختلفة انضمامهم إلى كتلة نيابية تحمل الاسم ذاته، لتشكل ذراعاً برلمانياً مبكراً له. أستاذ العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية عصام الفيلي، رأى أن هذا الانضمام "يمثل حالة طبيعية بسبب حضور رئيس الوزراء وتأثيره القوي في المشهد السياسي"، مضيفاً في تصريح لصحيفة الشرق الأوسط اللندنية، أن "السوداني مرشح لتحقيق عدد كبير من المقاعد خلال الدورة الانتخابية المقبلة".
استراتيجية السوداني الانتخابية تمثلت باستهداف الفئات الاجتماعية التقليدية، التي عادةً ما تدعم النخبة الحاكمة في العراق، إذ يهدف السوداني إلى جذب الطبقة الوسطى، بمن في ذلك موظفو الدولة والعسكريون والمهنيون وصغار التجار في بغداد والمحافظات الجنوبية، حيث تميل هذه الفئات إلى إعطاء الأولوية للاستقرار السياسي والإداري، إلى جانب النمو الاقتصادي، حتى وإن كان بطيئا وتدريجيا، على الخطاب الثوري أو المواقف المتطرفة.
▪︎ ردود فعل المنافسين
قدّم السوداني نفسه كمرشح براغماتي يركز على الحوار، متجنبا المواجهات السياسية والعسكرية، ومركّزا على تقديم الخدمات والتنمية الاقتصادية، وقد لاقى هذا النهج صدى لدى شرائح من الناخبين، وأثار ردود فعل المنافسين، الذي يسعون الى كسب أصوات الفئة السكانية نفسها. وإدراكًا منهم للتغيرات في المزاج العام داخل المجتمع الشيعي، دعا أحدهم إلى إجراء تعديلات على قانون الانتخابات، وتحديداً اعتماد نظام انتخابي هجين يجمع بين التمثيل النسبي والترشيح الفردي، ويُنظر إلى هذه المبادرة على نطاق واسع على أنها محاولة لإضعاف مزايا السوداني الرئيسية. لكن يجب أن نقر بناءً على الدورات الانتخابية السابقة، بأن الكتلة البرلمانية وحدها لا تكفي للوصول إلى كرسي رئاسة الحكومة، والكل يتذكر التجربة العراقية التي أظهرت أن رئاسة الوزراء لا تُحسم بالأرقام فقط.

▪︎ فرصة للتغيير
موقع "وور أون ذا روكس" الأمريكي المتخصص بالشؤون العسكرية والاستراتيجية، رسم مشهداً لمرحلة الانتخابات العراقية المقبلة التي تمثل لحظة للتغيير، وفرصة لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني لتعزيز حضوره السياسي، وإدخال التغييرات. وأشار التقرير الأمريكي، الذي ترجمته منصة "مراصد"، إلى أن العراق في ظل الوضع الإقليمي المتميز حالياً بالاستقطاب، بمقدوره أن يكون جسراً بين القوى المتنافسة، مما يقلص من حدة التوترات الإقليمية وتعزز بغداد مكانتها كمنتج رئيسي للطاقة ودولة تنمو بمحورية جيوسياسية.
ومع اقتراب موعد الانتخابات المقررة في 11 تشرين الثاني نوفمبر المقبل وتصاعد الترقب السياسي والنقاشات في العراق، رأى التقرير أن الأجواء توحي بوجود فرصة للتغيير، حتى وإن لم يكن جذرياً، إذ تبدو طاقة الناخبين متجددة، وهناك توقعات بارتفاع نسبة المشاركة. لهذا، فإن الحكومة التي ستنبثق من هذه الانتخابات، بحسب توقعات التقرير، ستحظى بتفويض شعبي أقوى وقد توفر الاستقرار السياسي الضروري لتطبيق سياسات متسقة، وإصلاحات تتمتع بالمصداقية، وسلوك أكثر قابلية للتوقع على الساحة الدولية.

▪︎ جسر بين القوى المتنافسة
ونبه التقرير الأمريكي، إلى أن العراق في ظل منطقة الشرق الأوسط التي تعاني من الاستقطاب، بمقدوره أن يكون بمثابة جسر بين القوى المتنافسة، مما يحد من حدة التوترات الإقليمية، ويستفيد من مكانته كمنتج رئيسي للطاقة ودولة محورية جيوسياسياً.
أما ما يتعلق بالولايات المتحدة، فإن الرهانات عالية بشكل خاص، وفق التقرير، لأن عراقاً أكثر مرونة واستقلالية، سيكون بمثابة مكسب طال انتظاره بعد عقود من الاستثمار والتعاون الاستراتيجي والسياسي والعسكري. ومع ذلك، ذكر التقرير أنه في ظل كل التفاؤل، فإنه من غير المرجح أن تؤدي الانتخابات إلى قطيعة عميقة مع النظام السياسي الذي عرف العراق منذ العام 2003، لأن نظام المحاصصة بين المجموعات الرئيسية الثلاث لا يزال راسخاً بشكل عميق. لذلك قد لا يلغي التصويت نظام المحاصصة، إلا أنه قد يغير التوازن الداخلي للسلطة، ويعيد ضبط النخب التي ستسيطر على مقاليد الحكومة، بحسب استنتاج التقرير.

▪︎ إدارة التناقضات
وفي ظل انسحاب لاعبين شيعة رئيسيين مثل "التيار الوطني الشيعي" بزعامة مقتدى الصدر، و"تحالف النصر" بزعامة حيدر العبادي، فإن "البروز هو للسوداني" الذي وصفه التقرير بأنه "شخصية محورية ومرشح بارز في الانتخابات، وتعود شعبيته إلى سمعته كزعيم عملي وإداري ومعتدل، مما أكسبه قبولاً نادراً من مختلف الأطياف في ساحة سياسية منقسمة". ولفت التقرير إلى أن السوداني أظهر "قدرته على الموازنة بين المصالح المتنافسة مع تقديم رؤية وطنية موحدة"، وقدرته أيضاً على "إدارة التناقضات"، وموازنته بين واشنطن وطهران، وخطابه الجذاب وغير الطائفي، وسجله في تقديم الخدمات العامة، وهي جميعها عوامل أكسبته مصداقية حتى في المناطق غير الشيعية، وهو ما عزز موقفه كقائد عملي في مشهد سياسي شديد التشرذم. ونتيجة لذلك، يمثل السوداني لكثير من العراقيين "الأمل في طريق شيعي ثالث، يقع في مكان ما بين المحافظين من "الإطار التنسيقي" المؤيد لإيران، وبين الشيعة الأكثر وطنية - دينية مثل مقتدى الصدر"، وفق التقرير. ويضيف التقرير، إذا حكمنا على أداء السوداني على مدى العامين الماضيين، وبرغم نهجه العملي والشعبي، يتضح أنه لا يمثل سوى وجه جديد وأصغر سناً للإطار التنسيقي، حيث كانت هناك دائماً منافسة شديدة بين السوداني وأعضاء آخرين في الإطار التنسيقي.
▪︎ إعادة تشكيل سياسات النخبة
وأشار التقرير إلى أن السوداني لا يزال يعمل ضمن نظامهم الراسخ من القواعد الرسمية وغير الرسمية التي تحددها، بما في ذلك شبكات المحسوبية، والطائفية، وهيمنة الفصائل السياسية والمسلحة التي حكمت المشهد طويلاً. ورأى التقرير أن "فوز السوداني قد يؤدي إلى إعادة تشكيل سياسات النخبة دون أن يؤدي بالضرورة أو رسمياً إلى تعطيل النظام". وإلى جانب الحسابات البرلمانية، فقد رجح التقرير أن تشكل الانتخابات سياسات التحالفات التي تحدد السياسة الداخلية للعراق وتوجه سياسته الخارجية، ولهذا، فإنه من المتوقع أن تؤثر النتيجة على دور العراق في منطقة الشرق الأوسط التي تشهد إعادة صياغة بفعل تحولات التحالفات والتوترات الإقليمية. وفيما يتعلق بالمراقبين في الخارج، فإن الانتخابات المقبلة ستوفر نافذة لمعرفة ما إذا كان بإمكان العراق أن يعزز قدراً من الاستقرار السياسي، وما إذا كان سيبرز كلاعب إقليمي أكثر ثقة أو يستمر في التخبط تحت وطأة تقاليده السياسية، أو ما إذا كانت صفقات النخبة ستخفف مجدداً من الوعود بالتغيير. وبالتالي قد يجد العراق نفسه مرة أخرى على مفترق طرق مألوف: تطلعات إصلاحية تصطدم بالسلطة المترسخة، بحسب التقرير، وإلى جانب سياسات "البيت الشيعي"، يعيد "البيتان السني والكردي" أيضاً معايرة استراتيجياتهما في ظل التنافس بين القوى داخل كل بيت منهما.
![]()
▪︎ نقطة تحول
ورجح التقرير أن لايؤدي انتصار السوداني المحتمل إلى إدخال ثورة في الهيكل السياسي للعراق، موضحاً أن "السوداني معروف بأنه مدير وسطي أكثر من كونه ثورياً، ولهذا فإنه من المحتمل أن تؤدي فترة ولايته الثانية إلى فترة من التوطيد بشكل حذر عوضاً عن التغيير الجذري". ورغم أن التقرير وصف النظام بأنه مثقل بالعيوب، إلا أنه اعتبر "حتى التقدم التدريجي يمكن أن يمثل نقطة تحول"، مشيراً إلى أن التقدم التدريجي يمكن أن يكون آلية إصلاح معقولة، حيث لا ينبغي التعامل مع الإصلاح على أنه حتمي أو مستحيل. وتابع إن إعادة توزيع السلطة، على الرغم من حدوثها ضمن إطار نظام المحاصصة، وبرغم أنها ليست ثورية، إلا أنها قد تكون مهمة خصوصاً في حال تمكن السوداني من تعزيز قاعدته الانتخابية وتهميش العناصر المتشددة والأكثر معارضة للإصلاح.
▪︎ ثلاثة عوامل مهمة
وبحسب التقرير فإن الاختبار الحقيقي سيكون ما إذا كان هذا التقدم التدريجي، لضمان الاستقرار، يمكن أن يحقق مكاسب ملموسة كافية لبث الحياة في وضع قائم يعتبره الكثيرون "مريضاً سريرياً"، وهذا يتوقف على ثلاثة عوامل مهمة، هي صمود مؤسسات العراق، وتعبئة الدعم الشعبي، والدعم الاقليمي والدولي. واستبعد أن تتخلى النخب الراسخة عن مكاسبها دون تصعيد، وبدون دعم مجتمعي ودولي واسع، إلا أنه شدد على أن مسار الإصلاح في العراق يجب أن يتم تقريره في بغداد.
وخلص التقرير الأمريكي إلى أن استمرار التقدم التدريجي، قد يفتح ليس استقراراً أكبر في الداخل فقط، وإنما فرصاً جديدة لمنطقة تبحث عن مرتكزات.

▪︎ الإعتدال المنتج
وسعى السوداني إلى تقديم نفسه رئيساً ملتزماً بالحوار ضمن منهجية الإعتدال المنتج وعدم التورط في مغامرات سياسية وعسكرية، وأنصرف تماما الى الإهتمام بالخدمات وتطوير الاقتصاد، ما أكسبه دعماً يمكن تحسسه من ردود فعل منافسه الانتخابي، الذي تنبَّه مبكراً إلى هذا التحول في اتجاهات الرأي العام الشيعي، ما حدا به إلى المطالبة بإدخال تعديلات على قانون الانتخابات تفرض نظام انتخاب يمزج بين القوائم النسبية والترشيح الفردي بهدف حرمان السوداني من نقاط قوته الرئيسة، وهي :
- أفضلية التصويت الجماعي لشخصه بصفته وجه القائمة الانتخابية، وبالتالي تحويل الأصوات الفائضة عن العتبة الانتخابية إلى المرشحين في قائمته.
- القدرة على استخدام أدوات السلطة في احتواء الإعلام المحلي والمؤثّرين في وسائل التواصل الاجتماعي، لكسب المزيد من الأصوات.
- توجيه المزيد من موارد الدولة نحو تخفيف الاحتقان الشعبي عبر خلق فرص عمل مؤقتة أو دائمة في القطاع العام، والتوسع في شمول المزيد من الأشخاص بإعانات الحماية الاجتماعية.
- تفعيل مبادرات أخرى معطَّلة مثل توزيع الأراضي وقروض الإسكان والمشاريع الصغيرة.
بيد أن المنافسين من القوى الشيعية والسنية لم ينجحوا حتى الآن في فرض تعديلات على قانون الانتخابات بسبب نجاح السوداني في تشكيل كتلة برلمانية ساهمت في تعطيل معظم جلسات مجلس النواب في خلال الشهور الأخيرة.







